هل ولَى زمن الجمال الداخلي؟
هواجس المراة القبيحة
على الرغم من أنوثتها الطاغية وجمالها الصارخ، الذي جعلها محط إعجاب الرجال وصورة للمرأة التي يتمنون الاقتران بها، إلا أن مارلين مونرو لم تكن تشعر بذلك الجمال، بل إنها، وعلى حد زعم عدد من المقربين منها، كانت ترى نفسها امرأة عادية ذات مستوى عادي من الجمال يقترب من القبح إلى الحد الذي كانت تعالج فيه لدى أحد الأطباء النفسيين لفترة طويلة، على الرغم من سنوات عمرها القصير التي لم تتجاوز السابعة والثلاثين. وإذا كان هذا هو حال مارلين مونرو رمز الأنوثه في السينما الاميركية، فما بالنا بنساء أخريات منحهن الله الجمال الطبيعي، إلا أنهن لا يشعرن بهذا الجمال، بل يرين أنفسهن دميمات؟.
في عيادات الاطباء النفسيين كثير من الحالات التي تجسد معاناة من هن على شاكلة مارلين مونرو، والاسباب عديدة، كما يقول البعض من هؤلاء الاطباء، والاعراض متشابهة، لكنها تختلف في التفاصيل. من بينها كما يحكي لنا الدكتور هاني السبكي، استشاري الطب النفسي، قصة امرأة ظلت تتردد على عيادته وهي لا تعاني من شيء سوى إحساسها المزمن بأنها تمتلك أنفا طويلا مدببا يفسد مظهرها الخارجي، وهو ما ينفيه الدكتور هاني السبكي، يقول: «عندما سألتها لماذا لم تذهب إلى جراح تجميل لاجراء عملية تجميل لأنفها ما دام يزعجها كل هذا الازعاج، أخبرتني أنها فعلت ذلك مرات عديدة وترددت على العديد من الاطباء في هذا المجال، إلا انهم رفضوا إجراء الجراحة بعد تأكيدهم لها أنها تمتلك أنفا مثاليا وأن أي تدخل جراحي فيه سوف يعرضها لتشوهات في وجهها. وكان كل واحد منهم ينصحها بالمعالجة النفسية، وأكدت لي أنها حضرت لي لأزكي حاجتها وأدلها على جراح يساعدها على هذا الأمر، وليس لاقتناعها بمرضها النفسي». ويتابع الدكتور هاني السبكي: «هذه المرأة وغيرها يعانين من مرض اضطراب شكل الجسد، وهو مرض يشكو فيه المصاب بهذا الاضطراب من عيب جسدي خارجي يعتقد أن الكل يراه، في حين أنه من الممكن أن لا يلاحظه غيره». وفي إحدى الدراسات النفسية المتعلقة بهذا المرض أخضعت مجموعة من المرضى الذين حضروا لإجراء جراحة تجميلية على الأنف لفحص نفسي، تبين أن 40% منهم يعانون من اضطراب نفسي، مع العلم انه مرض لا يقتصر على النساء وحدهن، وإن كانت نسبتهن اعلى. وأكدت الدراسة ان المريض هنا يشعر بعدم الرضا عن ذاته مهما كان مستوى جماله. فهو لا يشعر به لانه يفتقد الاحساس بالرضا الداخلي الذي يمنحه رؤية ذاته الجميلة. أما الأسباب فعديدة، يعود معظمها إلى أسلوب التنشئة والبيئة الاجتماعية، وغالبا ما نجد الانسان الذي افتقد للأمان والاحساس بالثقة من المحيطين به، هو أكثر من يصاب بهذا الإحساس.
من جانب آخر، هناك بعض الأسر التي تستخدم صفة مميزة للطفل في وجهه أو جسده في الحديث معه مثل «السمين» أو «ذي الانف الطويل». ليس هذا فقط، فهناك أمهات يوبخن بناتهن بشدة عندما يبدأن في الاهتمام بالوقوف أمام المرآة بكثرة في مرحلة المراهقة، ويوهمهن بأنهن لسن جميلات للحد من حالة الاهتمام بالذات، وهو ما يولد لدى الفتاة الاحساس بعدم الجمال. من ناحية أخرى، فقد يكون الانسان المصاب بعدم الرضا عن شكله الخارجي مصابا بوسواس قهري، وهو مرض خاص بتسلط فكرة ما، أيا كان نوعها، على عقل المريض، وهو ما قد يبرر لجوء بعض النساء إلى إجراء جراحات تجميل أكثر من مرة، رغم المخاطرة بصحتهن بسبب سيطرة فكرة عدم الجمال على أذهانهن، غير مدركات أنهن بحاجة لطبيب نفسي لا لجراح تجميل. .
وإذا كانت نانسي عجرم اعترفت أنها سعيدة بإجرائها ما يقرب من 18 عملية تجميل في مناح عدة لتحظى بما هي عليه الآن، فإن الدكتورة هبة عيسوي، أستاذة الطب النفسي في كلية طب عين شمس ترى أن المرأة التي تحرص على إجراء عدة عمليات تجميل للظهور بهيئة مختلفة هي امرأة تمتلك مشاعر سلبية تجاه ذاتها، فهي تميل إلى المبالغة وتضخيم الاشياء، ولا تستطيع التكيف مع الاحداث بسهولة وتصل بها الامور إلى إجراء المزيد من عمليات التجميل في حالة عدم نجاح العملية السابقة، التي أجرتها، خصوصا أنها تستمد سعادتها من نظرة ورأي المحيطين بها. وغالبا ما تكون شخصية حساسة وانفعالية وشديدة العصبية، كما أنها غالبا ما تكون لديها معاناة من إحباطات متكررة وكثيرا ما تكون عرضه لنوبات متكررة من الاكتئاب. طبعا هذا الأمر قد لا ينطبق على نانسي عجرم ومثيلاتها، من اللواتي يتطلب منهن عملهن الظهور بطلعة بهية طوال الوقت، كون مظهرهن جزءاً لا يتجزأ من نجاحهن، لكن الخوف ان يتحول تكرار العمليات إلى نوع من الإدمان النفسي.
«الجمال الحقيقي هو جمال الروح» مقولة كنا نسمعها في الماضي من جداتنا وأمهاتنا، وكنا نشعر حين سماعها أنها مقولة جوفاء، يردن بها مواساة الصغيرات في العائلة ذوات الجمال البسيط أو المحدود، لكن بمرور السنوات أدركنا قيمة تلك الحكمة، لا سيما بعد احتكاكنا بجميلات يفتقدن إلى جمال الحوار ولطف المعاشرة. وللأسف نجد أن الثقافة العالمية للجمال رسخت في ذهن بعض النساء، أن إعجاب الرجل بالمرأة يبنى على أساس مظهرها الخارجي ومقدار جمالها، الذي يمكنها من لفت الانظار إليها والاستحواذ على عيون وقلوب المحيطين بها، وهو مفهوم خاطئ وإن كان هو السائد للأسف. في هذا الصدد نذكر رأي الكاتب والسيناريست أسامة أنور عكاشة حول هذا الموضوع: «جمال المرأة يكمن في قدرتها على احتواء الرجل ومنحه الاحساس أنه يمتلك أكثر النساء جاذبية وجمالا، لا من خلال المظهر فقط، لكن بفهم طبيعته ومنحه الامان العاطفي والاهتمام الممزوج بالقدرة على تفهم رغبته في الحرية. فالجمال ليس أساس الحب، بل تفاصيل الجمال هي ما تدفعنا إلى الوقوع في الحب والدليل أنني قد أعشق امرأة لا تمتلك مقاييس نجمات التلفزيون وأرفض جمال نجمه تؤخذ كمثال للانوثه الطاغية. أوبرا وينفري، على سبيل المثال، ليست من جميلات العالم، بل انها قد لا تمتلك المقومات التي تمنحها لقب امرأة جميلة، لكنها تمتلك جاذبية العقل والحوار والروح التي تسيطر على من يستمع إليها فلا يمل من الاستماع إليها، بل انه من الممكن أن يحزن لانتهاء فرصة النظر اليها». وبعيدا عن آراء الرجال، ماذا عن النساء اللاتي لا يشعرن بجمالهن ويرينه منقوصا؟. الخبراء يؤكدون أن هؤلاء النساء يحتجن إلى جلسات لزيادة الثقة بالنفس والنجاح في أحد مجالات الحياة، مهما كان بسيطا، والتأييد من المحيطين بهن. وعلى العائلات ادراك قيمة وأهمية تعزيز الثقة بالنفس لدى الابناء وتشجيعهن على أثبات التفوق والنجاح في أمور عدة، وتفهم مراحل النمو المختلفة التي يمررن بها وبخاصة من الفتيات وتعزيز الجوانب الايجابية التي يتمتعن بها. فالجمال احساس داخلي، كما يقول الدكتور يحيى الرخاوي، أستاذ الطب النفسي، وهذا الاحساس يمنح الانسان نوعا من الرضا والاطمئنان يسيطران، لا على الانسان وحده، لكن على كل المحيطين به. فكن جميلا تر الوجود جميلا.